ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس " وقال الغزالي فيه: إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعله قلب القرآن لذلك، واستحسنه فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام.
ويمكن أن يقال بأن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير لأصول الثلاثة بأقوى البراهين فابتداؤها بيان الرسالة بقوله: * (إنك لمن المرسلين) * (يس: 3) ودليلها ما قدمه عليها بقوله: * (والقرآن الحكيم) * (يس: 2) وما أخره عنها بقوله: * (لتنذر قوما) * (يس: 6) وانتهاؤها بيان الوحدانية والحشر بقوله: * (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) * إشارة إلى التوحيد، وقوله: * (وإليه ترجعون) * إشارة إلى الحشر، وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائله وثوابه، ومن حصل من القرآن هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه وهو التصديق الذي بالجنان. وأما وظيفة اللسان التي هي القول، فكما في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * (الأحزاب: 70) وفي قوله تعالى: * (ومن أحسن قولا) * (فصلت: 33) وقوله تعالى: * (بالقول الثابت) * (إبراهيم: 27) * (وألزمهم كلمة التقوى) * (الفتح: 26) * (وإليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) إلى غير هذه مما في غير هذه السورة ووظيفة الأركان وهو العمل، كما في قوله تعالى: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (البقرة: 110) وقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا.. ولا تقتلوا النفس) * (الإسراء: 32، 33) وقوله: * (واعملوا صالحا) * (المؤمنون: 51) وأيضا مما في غير هذه السورة، فلما لم يكن فيها إلا أعمال القلب لا غير سماها قلبا، ولهذا ورد في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى تلقين يس لمن دنا منه الموت، وقراءتها عند رأسه، لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة، والأعضاء الظاهرة ساقطة البنية، لكن القلب يكون قد أقبل على الله ورجع عن كل ما سواه، فيقرأ عند رأسه ما يزاد به قوة قلبه، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة وهي شفاء له وأشرار كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلمها إلا الله وروله، وما ذكرناه ظن لانقطع به، ونرجو الله أن يرحمنا وهو أرحم الراحمين.