الثاني: أنه تعالى حلف في أول هذه السورة على أن الإله واحد، وحلف في أول سورة والذاريات على أن القيامة حق فقال: * (والذاريات ذروا) * إلى قوله: * (إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع) * (الذاريات: 1 - - - - 6) وإثبات هذه المطالب العالية الشريفة على المخالفين من الدهرية وأمثالهم بالحلف واليمين لا يليق بالعقلاء، والجواء من وجوه الأول: أنه تعالى قرر التوحيد وصحة البعث والقيامة في سائر السور بالدلائل اليقينية، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها فذكر القسم تأكيدا لما تقدم لا سيما والقرآن إنما أنزل بلغة العرب وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب والوجه الثاني: في الجواب أنه تعالى لما أقسم بهذه الأشياء على صحة قوله تعالى: * (إن إلهكم لواحد) * ذكر عقيبه ما هو كالدليل اليقيني في كون الإله واحدا، وهو قوله تعالى: * (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) * وذلك لأنه تعالى بين في قوله: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) أن انتظام أحوال السماوات والأرض يدل على أن الإله واحد، فهنا لما قال: * (إن إلهكم لواحد) * أردفه بقوله: * (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) * كأنه قيل قد بينا أن النظر في انتظام هذا العالم دل على كون الإله واحدا فتأملوا في ذلك الدليل ليحصل لكم العلم بالتوحيد الوجه الثالث: في الجواب أن المقصود من هذا الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطاله مثل هذه الحجة والله أعلم.
المسألة الرابعة: أما دلالة أحوال السماوات والأرض على وجود الإله القادر العالم الحكيم، وعلى كونه واحدا منزها عن الشريك فقد سبق تقريرها في هذا الكتاب مرارا وأطوارا وأما قوله تعالى: * (ورب المشارق) * فيحتمل أن يكون المراد مشارق الشمس قال السدي: المشارق ثلاثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب فإنه تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب كل يوم في مغرب، ويحتمل أن يكون المراد مشارق الكواكب لأن لكل كوكب مشرقا ومغربا، فإن فيل لم أكتفي بذكر المشارق؟ قلنا لوجهين الأول: نه اكتفى بذكر المشارق كقوله: * (تقيكم الحر) * (النحل: 81) والثاني أن الشرق أوقى حالا من الغروب وأكثر نفعا من الغروب فذكر الشرق تنبيها على كثرة إحسان الله تعالى على عباده، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال: * (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق) * (لبقرة: 258).
المسألة الخامسة: احتج الأصحاب بقوله تعالى: * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد، قالوا: لأن أعمال العباد موجود فيما بين السماوات والأرض، وهذه الآية دالة على أن كل ما حصل بين السماوات والأرض فالله ربه ومالكه، فهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق الله، وإن قالوا: الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السماوات والأرض لأن هذا الوصف إنما يليق بما يكون حاصلا في حيز وجهة والأعراض ليست كذلك، قلنا: إنها لما