يقال في المثل: الغريق يتعلق بالزبد، وإن علم أنه لا يغيثه. وقوله: * (أو مما رزقكم الله) * قيل إنه الثمار، وقيل إنه الطعام، وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لهم، عن أبي الدرداء أن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع. ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون الشراب ويستغيثون فيدفع إليهم الحميم والصديد بكلاليب الحديد فيقطع ما في بطونهم، ويستغيثون إلى أهل الجنة كما في هذه الآية فيقول أهل الجنة: إن الله حرمهما على الكافرين، ويقولون لمالك: * (ليقض علينا ربك) * (الزخرف: 77) فيجيبهم على ما قيل بعد ألف عام، ويقولون: * (ربنا أخرجنا منها) * (المؤمنون: 107) فيجيبهم * (اخسؤا فيها ولا تكلمون) * (المؤمنون: 108) فعند ذلك ييأسون من كل خير، ويأخذون في الزفير والشهيق. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه ذكر في صفة أهل الجنة أنهم يرون الله عز وجل كل جمعة، ولمنزل كل واحد منهم ألف باب، فإذا رأوا الله تعالى، دخل من كل باب ملك معه الهدايا الشريفة وقال: إن نخل الجنة خشبها الزمرد، وترابها الذهب الأحمر، وسعفها حلل وكسوة لأهل الجنة، وثمرها أمثال القلال أو الدلاء، أشد بياضا من الفضة وألين من الزبد وأحلى من العسل، لا عجم له، فهذا صفة أهل الجنة، وصفة أهل النار، ورأيت في بعض الكتب: أن قارئا قرأ قوله تعالى حكاية عن الكفار: * (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) * في تذكرة الأستاذ أبي علي الدقاق، فقال الأستاذ: هؤلاء كانت رغبتهم وشهوتهم في الدنيا في الشرب والأكل، وفي الآخرة بقوا على هذه الحالة، وذلك يدل على أن الرجل يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، ثم بين تعالى أن هؤلاء الكفار لما طلبوا الماء والطعام من أهل الجنة قال أهل الجنة * (إن الله حرمهما على الكافرين) * ولا شك أن ذلك يفيد الخيبة التامة، ثم إنه تعالى وصف هؤلاء الكفار بأنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، وفيه وجهان:
الوجه الأول: أن الذي اعتقدوا فيه أنه دينهم، تلاعبوا به، وما كانوا فيه مجدين.
والوجه الثاني: أنهم اتخذوا اللهو واللعب دينا لأنفسهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد المستهزئين المقتسمين. ثم قال: * (وغرتهم الحياة الدنيا) * وهو مجاز لأن الحياة الدنيا لا تغر في الحقيقة بل المراد أنه حصل الغرور عند هذه الحياة الدنيا، لأن الإنسان يطمع في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال، وقوة الجاه فلشدة رغبته في هذه الأشياء يصير محجوبا عن طلب الدين. غرقا في طلب الدنيا، ثم لما وصف الله تعالى أولئك الكفار بهذه الصفات قال: * (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) * وفي تفسير هذا النسيان قولان:
القول الأول: أن النسيان هو الترك. والمعنى: نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، وهذا قول الحسن ومجاهد والسدي والأكثرين.