ولقائل أن يقول: الأخبار عن الغيوب الماضية لا يدل على المعجز، لاحتمال أن يقال إن إبليس شاهد هذه الوقائع فألقاها إليه، أما الأخبار عن الغيوب المستقبلة فإنه معجز لأن علم الغيب ليس إلا لله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه تعالى ذكر في هذه السورة قصة آدم عليه السلام، وقد سبق ذكرها.
والقصة الثانية: قصة نوح عليه السلام وهي المذكورة في هذه الآية وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وأخنوخ اسم إدريس النبي عليه السلام، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": قوله: * (لقد أرسلنا) * جواب قسم محذوف.
فإن قالوا: ما السبب في أنهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وذكر هذه اللام بدون قد نادر كقوله: حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا (c) قلنا: إنما كان كذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها. فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى " قد " عند استماع المخاطب كلمة القسم.
المسألة الثانية: قرأ الكسائي * (غيره) * بكسر الراء على أنه نعت للإله على اللفظ والباقون بالرفع على أنه صفة للإله على الموضع. لأن تقدير الكلام ما لكم إله غيره، وقال أبو علي: وجه من قرأ بالرفع قوله: * (وما من إله إلا الله) * (آل عمران: 62) فكما أن قوله: * (إلا الله) * بدل من قوله: * (ما من إله) * كذلك قوله: * (غيره) * يكون بدلا من قوله: * (من إله) * فيكون * (غير) * رفعا بالاستثناء، وقال صاحب الكشاف: قرىء * (غير) * الحركات الثلاث، وذكر وجه الرفع والجر كما تقدم، قال وأما النصب فعلى الاستثناء بمعنى ما لكم من إله إلا إياه كقولك ما في الدار من أحد إلا زيدا وغير زيد.
المسألة الثالثة: قال الواحدي: في الكلام حذف، وهو خبر * (ما) * لأنك إذا جعلت * (غيره) * صفة لقوله: * (إله) * لم يبق لهذا المنفي خبر، والكلام لا يستقل بالصفة والموصوف، لأنك إذا قلت زيد العاقل وسكت، لم يفد ما لم تذكر خبره. ويكون التقدير ما لكم من إله غيره في الوجود، أقول: اتفق النحويون على أن قولنا لا إله إلا الله لا بد فيه من إضمار، والتقدير: لا إله في الوجود أو لا إله لنا إلا الله ولم يذكروا على هذا الكلام حجة، فإنا نقول لم لا يجوز أن يقال دخل حرف النفي على هذه الحقيقة؟ وعلى هذه الماهية، فيكون المعنى أنه لا تحقق لحقيقة الإلهية إلا في حق الله، وإذا حملنا الكلام على هذا المعنى استغنينا عن الإضمار الذي ذكروه.
فإن قالوا: صرف النفي إلى الماهية لا يمكن لأن الحقائق لا يمكن نفيها، فلا يمكن أن يقال