لا سواد بمعنى ارتفاع هذه الماهية، وإنما الممكن أن يقال إن تلك الحقائق غير موجودة ولا حاصلة، وحينئذ يجب إضمار الخبر.
فنقول: هذا الكلام بناء على أن الماهية لا يمكن انتفاؤها وارتفاعها، ولك باطل قطعا. إذ لو كان الأمر كذلك لوجب امتناع ارتفاع الوجود لأن الوجود أيضا حقيقة من الحقائق وماهية فلم لا يمكن ارتفاع سائر الماهيات؟
فإن قالوا: إذا قلنا لا رجل، وعنينا به نفي كونه موجودا، فهذا النفي لم ينصرف إلى ماهية الوجود، وإنما انصرف إلى كون ماهية الرجل موصوفة بالوجود.
فنقول: تلك الموصوفية يستحيل أن تكون أمرا زائدا على الماهية وعلى الوجود، إذ لو كانت الموصوفية ماهية، والوجود ماهية أخرى، لكانت تلك الماهية موصوفة أيضا بالوجود، والكلام فيه كما فيما قبله، فيلزم التسلسل، ويلزم أن لا يكون الموجود الواحد موجودا واحدا، بل موجودات غير متناهية وهو محال. ثم نقول موصوفية الماهية بالوجود إما أن يكون أمرا مغايرا للماهية والوجود، وإما أن لا يكون كذلك. فإن لم يكن أمرا مغايرا لها فحينئذ يكون لذلك المغاير ماهية ووجود، وماهيته لا تقبل الارتفاع، وحينئذ يعود السؤال المذكور. فثبت بما ذكرنا أن الماهية أن لم تقبل النفي والرفع، امتنع صرف حرف النفي إلى شيء من المفهومات، فإن كانت الماهية قابلة للنفي والرفع، فحينئذ يمكن صرف كلمة " لا " في قولنا لا إله إلا الله إلى هذه الحقيقة، وحينئذ لا يحتاج إلى التزام الحذف والإضمار الذي يذكره النحويون، فهذا كلام عقلي صرف، وقع في هذا البحث الذي ذكره النحويون.
المسألة الرابعة: قوله تعالى: * (لقد أرسلنا) * فيه قولان: قال ابن عباس: بعثنا. وقال آخرون: معنى الإرسال أنه تعالى حمله رسالة يؤديها، فالرسالة على هذا التقدير تكون متضمنة للبعث، فيكون البعث كالتابع لا أنه الأصل، وهذا البحث بناء على مسألة أصولية، وهي أنه هل من شرط إرسال الرسول إلى قوم، أن يعرفهم على لسانه أحكاما لا سبيل لهم إلى معرفتها بعقولهم، أوليس ذلك بشرط؟ بل يكون الغرض من بعثة الرسل مجرد تأكيد ما في العقول، وهذا الخلاف إنما يليق بتفاريع المعتزلة، ولا يليق بتفاريع مذاهبنا وأصولنا.
المسألة الخامسة: في الآية فوائد:
الفائدة الأولى: إنه تعالى حكى عن نوح في هذه الآية ثلاثة أشياء: أحدها: إنه عليه السلام أمرهم بعبادة الله تعالى. والثاني: إنه حكم أن لا إله غير الله، والمقصود من الكلام الأول إثبات التكليف، والمقصود من الكلام الثاني الإقرار بالتوحيد.