إيصال الخير والنعمة، فعلى التقدير الأول تكون الرحمة من صفات الأفعال، وعلى هذا التقدير الثاني تكون من صفات الذات، وقد استقصينا هذه المسألة في تفسير * (بسم الله الرحمن الرحيم) * (الفاتحة: 1 النمل: 30).
المسألة الثانية: قال بعض أصحابنا: ليس لله في حق الكافر رحمة ولا نعمة. واحتجوا بهذه الآية، وبيانه: أن هذه الآية تدل على أن كل ما كان رحمة فهي قريبة من المحسنين، فيلزم أن يكون كل ما لا يكون قريبا من المحسنين، أن لا يكون رحمة، والذي حصل في حق الكافر غير قريب من المحسنين، فوجب أن لا يكون رحمة من الله ولا نعمة منه.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: الآية تدل على أن رحمة الله قريب من المحسنين، فلما كان كل هذه الماهية حصل للمحسنين وجب أن لا يحصل منها نصيب لغير المحسنين، فوجب أن لا يحصل شيء من رحمة الله في حق الكافرين، والعفو عن العذاب رحمة، والتخلص من النار بعد الدخول فيها رحمة، فوجب أن لا يحصل ذلك لمن لم يكن من المحسنين، والعصاة وأصحاب الكبائر ليسوا محسنين، فوجب أن لا يحصل لهم العفو عن العقاب، وأن لا يحصل لهم الخلاص من النار.
الجواب: أن من آمن بالله وأقر بالتوحيد والنبوة، فقد أحسن بدليل أن الصبي إذا بلغ وقت الضحوة، وآمن بالله ورسوله واليوم الآخر ومات قبل الوصول إلى الظهر فقد أجمعت الأمة على أنه دخل تحت قوله: * (للذين أحسنوا الحسنى) * (يونس: 26) ومعلوم أن هذا الشخص لم يأت بشيء من الطاعات سوى المعرفة والإقرار، لأنه لما بلغ بعد الصبح لم تجب عليه صلاة الصبح، ولما مات قبل الظهر لم تجب عليه صلاة الظهر، وظاهره أن سائر العبادات لم تجب عليه. فثبت أنه محسن، وثبت أنه لم يصدر منه إلا المعرفة والإقرار، فوجب كون هذا القدر إحسانا، فيكون فاعله محسنا.
إذا ثبت هذا فنقول: كل من حصل له الإقرار والمعرفة كان من المحسنين، ودلت هذه الآية على أن رحمة الله قريب من المحسنين، فوجب بحكم هذه الآية أن تصل إلى صاحب الكبيرة من أهل الصلاة رحمة الله، وحينئذ تنقلب هذه الآية حجة عليهم.
فإن قالوا: المحسنون هم الذين أتوا بجميع وجوه الإحسان. فنقول: هذا باطل، لأن المحسن من صدر عنه مسمى الإحسان وليس من شرط كونه محسنا أن يكون آتيا بكل وجوه الإحسان كما أن العالم هو الذي له العلم وليس من شرطه أن يحصل جميع أنواع العلم. فثبت بهذا أن السؤال الذي ذكروه ساقط وأن الحق ما ذهبنا إليه.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول مقتضى علم الأعراب أن يقال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث؟ وذكروا في الجواب عنه وجوها: الأول: أن الرحمة تأنيثها