وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " والجنوب من ريح الجنة، وعن كعب: لو حبس الله الريح عن عباده ثلاثة أيام لأنتن أكثر الأرض، وعن السدي: أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك، ورحمته هو المطر.
إذا عرفت هذا فنقول: اختلاف الرياح في الصفات المذكورة، مع أن طبيعة الهواء واحدة، وتأثيرات الطبائع والأنجم والأفلاك واحدة، يدل على أن هذه الأحوال. لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار سبحانه وتعالى.
ثم قال تعالى: * (سقناه لبلد ميت) * والمعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث ولم ينبت فيه خضرة.
فإن قيل: السحاب إن كان مذكرا يجب أن يقول: حتى إذا أقلت سحابا ثقيلا، وإن كان مؤنثا يجب أن يقول سقناه فكيف التوفيق؟!
والجواب: أن السحاب لفظه مذكر وهو جمع سحابة. فكان ورود الكناية عنه على سبيل التذكير جائزا، نظرا إلى اللفظ، وعلى سبيل التأنيث أيضا جائزا، نظرا إلى كونه جمعا، أما " اللام " في قوله: * (سقناه لبلد) * ففيه قولان: قال بعضهم هذه " اللام " بمعنى إلى يقال هديته للدين وإلى الدين. وقال آخرون: هذه " اللام " بمعنى من أجل، والتقدير سقناه لأجل بلد ميت ليس فيه حيا يسقيه. وأما البلد فكل موضع من الأرض عامر أو غير عامر، خال أو مسكون فهو بلد والطائفة منه بلدة والجميع البلاد والفلاة تسمى بلدة. قال الأعشى: وبلدة مثل ظهر الترس موحشة * للجن بالليل في حافاتها زجل ثم قال تعالى: * (فأنزلنا به الماء) * اختلفوا في أن الضمير في قوله: * (به) * إلى ماذا يعود؟ قال الزجاج وابن الأنباري: جائز أن يكون فأنزلنا بالبلد الماء، وجائز أن يكون فأنزلنا بالسحاب الماء، لأن السحاب آلة لإنزال الماء.
ثم قال: * (فأخرجنا به من كل الثمرات) * الكناية عائدة إلى الماء، لأن إخراج الثمرات كان بالماء. قال الزجاج: وجائز أن يكون التقدير فأخرجنا بالبلد من كل الثمرات، لأن البلد ليس يخص به هنا بلد دون بلد، وعلى القول الأول، فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء. وقال أكثر المتكلمين: إن الثمار غير متولدة من الماء، بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب، وقال جمهور الحكماء: لا يمتنع أن يقال إنه تعالى أودع في الماء قوة طبيعية، ثم إن تلك القوة الطبيعية توجب حدوث الأحوال المخصوصة عند امتزاج