ضد طويته ويراد بالمصدر ههنا المفعول. والرياح كأنها كانت مطوية، فأرسلها الله تعالى منشورة بعد انطوائها، فقوله: * (نشرا) * مصدر هو حال من الرياح والتقدير: أرسل الرياح منشرات، ويجوز أيضا أن يكون النشر هنا بمعنى الحياة من قولهم أنشر الله الميت فنشر. قال الأعشى: يا عجبا للميت الناشر فإذا حملته على ذلك وهو الوجه. كان المصدر مرادا به الفاعل كما تقول: أتاني ركضا أي راكضا، ويجوز أيضا أن يقال: أن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل: وهو الذي ينشر الرياح نشرا.
والقراءة الرابعة: حكى صاحب " الكشاف " عن مسروق * (نشرا) * بمعنى منشورات. فعل بمعنى مفعول كنقض وحسب ومنه قولهم: ضم نشره.
والقراءة الخامسة: قراءة عاصم * (بشرا) * بالباء المنقطة بالمنطقة الواحدة من تحت جمع بشيرا على بشر من قوله تعالى: * (يرسل الرياح مبشرات) * أي تبشر بالمطر والرحمة، وروى صاحب " الكشاف " * (بشرا) * بضم الشين وتخفيفه و * (بشرا) * بفتح الباء وسكون الشين مصدر من بشره بمعنى بشره أي باشرات وبشرى.
المسألة الثانية: اعلم أن قوله: * (وهو الذي يرسل الرياح) * معطوف على قوله: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * (الأعراف: 54) ثم نقول: حد الريح أنه هواء متحرك. فنقول: كون هذا الهواء متحركا ليس لذاته ولا للوازم ذاته، وإلا لدامت الحركة بدوام ذاته فلا بد وأن يكون لتحريك الفاعل المختار وهو الله جل جلاله. قالت الفلاسفة: ههنا سبب آخر وهو أنه يرتفع من الأرض أجزاء أرضية لطيفة تسخنه تسخينا قويا شديدا فبسبب تلك السخونة الشديدة ترتفع وتتصاعد، فإذا وصلت إلى القرب من الفلك كان الهواء الملتصق بمقعر الفلك متحركا على استدارة الفلك بالحركة المستديرة التي حصلت لتلك الطبقة من الهواء فيمنع هذه الأدخنة من الصعود بل يردها عن سمت حركتها، فحينئذ ترجع تلك الأدخنة وتتفرق في الجوانب، وبسبب ذلك التفرق تحصل الرياح، ثم كلما كانت تلك الأدخنة أكثر، وكان صعودها أقوى كان رجوعها أيضا أشد حركة فكانت الرياح أقوى وأشد. هذا حاصل ما ذكروه، وهو باطل، ويدل على بطلانه وجوه: الأول: أن صعود الأجزاء الأرضية إنما يكون لأجل شدة تسخينها، ولا شك أن ذلك التسخن عرض لأن الأرض باردة يابسة بالطبع، فإذا كانت تلك الأجزاء الأرضية متصعدة جدا كانت سريعة الانفعال، فإذا تصاعدت، ووصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها بل تبرد جدا، وإذا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك، فبطل ما ذكروه.