على أن الأصل في المضار والآلام، الحرمة.
وإذا ثبت هذا كان جميع أحكام الله تعالى داخلا تحت عموم هذه الآية، وجميع ما ذكرناه من المباحث واللطائف في تلك الآية فهي موجودة في هذه الآية، فتلك الآية دالة على أن الأصل في المنافع الحل، وهذه الآية دالة على أن الأصل في جميع المضار الحرمة، وكل واحدة من هاتين الآيتين مطابقة للأخرى مؤكدة لمدلولها مقررة لمعناها، وتدل على أن أحكام جميع الوقائع داخلة تحت هذه العمومات، وأيضا هذه الآية دالة على أن كل عقد وقع التراضي عليه بين الخصمين، فإنه انعقد وصح وثبت، لأن رفعه بعد ثبوته يكون إفسادا بعد الإصلاح، والنص دل على أنه لا يجوز.
إذا ثبت هذا فنقول: أن مدلول هذه الآية من هذا الوجه متأكد بعموم قوله: * (أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) وبعموم قوله تعالى: * (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (الصف: 2، 3) وتحت قوله: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * (المؤمنون: 8 المعارج: 32) وتحت سائر العمومات الواردة في وجوب الوفاء بالعهود والعقود.
إذا ثبت هذا فنقول: إن وجدنا نصا دالا على أن بعض العقود التي وقع التراضي به من الجانبين غير صحيح، قضينا فيه بالبطلان تقديما للخاص على العام، وإلا حكمنا فيه بالصحة رعاية لمدلول هذه العمومات. وبهذا الطريق البين الواضح ثبن أن القرآن واف ببيان جميع أحكام الشريعة من أولها إلى آخرها.
ثم قال تعالى: * (وادعوه خوفا وطمعا) * وفيه سؤالات:
السؤال الأول: قال في أول الآية: * (ادعو ربكم) * ثم قال: * (ولا تفسدوا) * ثم قال: * (وادعوه) * وهذا يقتضي عطف الشيء على نفسه وهو باطل.
والجواب: أن الذين قالوا في تفسير قوله: * (ادعوا ربكم تضرعا) * أي اعبدوه إنما قالوا ذلك خوفا من هذا الإشكال.
فإن قلنا بهذا التفسير فقد زال السؤال، وإن قلنا المراد من قوله: * (ادعوا ربكم تضرعا) * هو الدعاء كان الجواب أن قوله: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * يدل على أن الدعاء لا بد وأن يكون مقرونا بالتضرع وبالإخفاء، ثم بين في قوله * (وادعوه خوفا وطمعا) * أن فائدة الدعاء هو أحد هذين الأمرين، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء ومنفعته. السؤال الثاني: أن المتكلمين اتفقوا على أن من عبد ودعا لأجل الخوف من العقاب والطمع