صار علم الله جهلا، والعبد لا قدرة له على تجهيل الله، وإذا تعذر اللازم تعذر الملزوم. فوجب أن يقال: لا قدرة للكافر والفاسق على الإيمان والطاعة أصلا، وإذا كان كذلك لم يحصل من الأمر به إلا مجرد استحقاق العقاب، فيكون هذا الأمر والتكليف إضرارا محضا من غير فائدة البتة، وهو لا يليق بالرحيم الحكيم، ورابعها: أن الأمر والتكليف إن لم يكن لفائدة فهو عبث، وإن كان لفائدة عائدة إلى المعبود فهو محتاج وليس باله، وإن كان لفائدة عائدة إلى العابد. فجميع الفوائد منحصرة في تحصيل النفع، ودفع الضرر، والله تعالى قادر على تحصيلها بالتمام والكمال من غير واسطة التكليف، فكان توسيط التكليف إضرارا محضا من غير فائدة، وأنه لا يجوز.
واعلم أنه تعالى بين في هذه الآية أنه يحسن منه أن يأمر عباده، وأن يكلفهم بما شاء. واحتج عليه بقوله: * (ألا له الخلق والأمر) * يعني لما كان الخلق منه ثبت أنه هو الخالق لكل العبيد، وإذا كان خالقا لهم كان مالكا لهم، وإذا كان مالكا لهم حسن منه أن يأمرهم وينهاهم، لأن ذلك تصرف من المالك في ملك نفسه، وذلك مستحسن، فقوله سبحانه: * (ألا له الخلق والأمر) * يجري مجرى الدليل القاطع على أنه يحسن من الله تعالى أن يأمر عباده بما شاء كيف شاء.
المسألة التاسعة: دلت الآية على أنه يحسن من الله تعالى أن يأمر عباده بما شاء بمجرد كونه خالقا لهم لا كما يقوله المعتزلة من كون ذلك الفعل صلاحا، ولا كما يقولونه أيضا من حيث العوض والثواب، لأنه تعالى ذكر أن الخلق له أولا، ثم ذكر الأمر بعده، وذلك يدل على أن حسن الأمر معلل بكونه خالقا لهم موجدا لهم، وإذا كانت العلة في حسن الأمر والتكليف، هذا القدر سقط اعتبار الحسن، والقبح، والثواب، والعقاب في اعتبار حسن الأمر والتكليف.
المسألة العاشرة: دلت هذه الآية على أنه تعالى متكلم آمر ناه مخبر مستخبر، وكان من حق هذه المسألة تقدمها على سائر المسائل، إلا أنها إنما خطرت بالبال في هذا الوقت، والدليل عليه قوله تعالى: * (ألا له الخلق والأمر) * فدل ذلك على أن له الأمر، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون له النهي، والخبر، والاستخبار، ضرورة أنه لا قائل بالفرق.
المسألة الحادية عشرة: أنه تعالى بين كونه تعالى خالقا للسموات، والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم.
ثم قال: * (ألا له الخلق والأمر) * أي لا خالق إلا هو. ولقائل أن يقول: لا يلزم من كونه تعالى خالقا لهذه الأشياء أن يقال: لا خالق على الإطلاق إلا هو، فلم رتب على إثبات كونه خالق لتلك الأشياء إثبات أنه لا خالق إلا هو على الإطلاق؟