يعني جل ثناؤه بقوله: إنما المسيح عيسى ابن مريم: ما المسيح أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب بابن الله كما تزعمون، ولكنه عيسى ابن مريم دون غيرها من الخلق، لا نسب له غير ذلك. ثم نعته الله جل ثناؤه بنعته ووصفه بصفته، فقال: هو رسول الله، أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه. وأصل المسيح: الممسوح، صرف من مفعول إلى فعيل، وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب وقيل: مسح من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين، كما يمسح الشئ من الأذى الذي يكون فيه فيطهر منه، ولذلك قال مجاهد ومن قال مثل قوله: المسيح: الصديق. وقد زعم بعض الناس أن أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية مشيحا فعربت، فقيل المسيح، كما عرب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل إسماعيل وإسحاق وموسى وعيسى.
قال أبو جعفر: وليس ما مثل به من ذلك للمسيح بنظير وذلك أن إسماعيل وإسحاق وما أشبه ذلك، أسماء لا صفات، والمسيح صفة، وغير جائز أن تخاطب العرب وغيرها من أجناس الخلق في صفة شئ إلا بمثل ما يفهم عمن خاطبها، ولو كان المسيح من غير كلام العرب ولم تكن العرب تعقل معناه ما خوطبت به. وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته. وأما المسيح الدجال، فإنه أيضا بمعنى الممسوح العين، صرف من مفعول إلى فعيل، فمعنى المسيح في عيسى (ص): الممسوح البدن من الأدناس والآثام، ومعنى المسيح في الدجال: الممسوح العين اليمنى أو اليسرى كالذي روي عن رسول الله (ص) في ذلك.
وأما قوله: وكلمته ألقاها إلى مريم فإنه يعني بالكلمة: الرسالة التي أمر الله ملائكته أن تأتي مريم بها، بشارة من الله لها التي ذكر الله جل ثناؤه في قوله: إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه يعني: برسالة منه، وبشارة من عنده. وقد قال قتادة في ذلك، ما: