وقال آخرون: معنى ذلك: وروح من الله خلقها فصورها، ثم أرسلها إلى مريم، فدخلت في فيها، فصيرها الله تعالى روح عيسى عليه السلام. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد، قال: أخبرني أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله:
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم قال: أخذهم فجعلهم أرواحا، ثم صورهم، ثم استنطقهم، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق، فأرسل ذلك الروح إلى مريم، فدخل في فيها فحملت والذي خاطبها، وهو روح عيسى عليه السلام.
وقال آخرون: معنى الروح ههنا: جبريل عليه السلام. قالوا: ومعنى الكلام: وكلمته ألقاها إلى ثم من جبريل عليه السلام. ولكل هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب.
القول في تأويل قوله تعالى: فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم.
يعني بقوله جل ثناؤه: فآمنوا بالله ورسله فصدقوا يا أهل الكتاب بوحدانية الله وربوبيته، وأنه لا ولد له، وصدقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله، وفيما أخبرتكم به أن الله واحد لا شريك له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. ولا تقولوا ثلاثة يعني: ولا تقولوا الأرباب ثلاثة. ورفعت الثلاثة بمحذوف دل عليه الظاهر، وهو هم. ومعنى الكلام: ولا تقولوا هم ثلاثة. وإنما جاز ذلك لان القول حكاية، والعرب تفعل ذلك في الحكاية، ومنه قول الله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم وكذلك كل ما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه، ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم. ثم قال لهم جل ثناؤه متوعدا لهم في قولهم العظيم الذي قالوه في الله: انتهوا أيها القائلون الله ثالث ثلاثة عما تقولون من الزور والشك بالله، فإن الانتهاء عن ذلك خير لكم من قيله، لما لكم عند الله من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك، إن أقمتم عليه ولم تنيبوا إلى الحق الذي أمرتكم بالإنابة إليه والآجل في معادكم.