ومعصيته التي أتاها، وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك المقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفه بالواجب له من الحد كفارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذ الجارح بحقه من القصاص كفارة للجارح من ذنبه الذي ركبه.
فإن قال قائل: أو ليس لمجروح عند أخذ جارحه بدية جرحه مكان القصاص؟ قيل له: بلى. فإن قال: أفرأيت لو اختار الدية ثم عفا عنها، أكانت له قبله في الآخرة تبعة؟ قيل له: هذا كلام عندنا محال، وذلك أنه لا يكون عندنا مختار الدية إلا وهو لها آخذ. فأما العفو فإنما هو عفو عن الدم. وقد دللنا على صحة ذلك في موضع غير هذا بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع. إلا أن يكون مرادا بذلك هبتها لمن أخذت منه بعد الاخذ، مع أن عفوه عن الدية بعد اختياره إياها لو صح لم يكن في صحة ذلك ما يوجب أن يكون المعفو له عنها بريئا من عقوبة ذنبه عند الله لان الله تعالى ذكره أو عد قاتل المؤمن بما أوعده به، إن لم يتب من ذنبه، والدية مأخوذة منه، أحب أم سخط، والتوبة من التائب إنما تكون توبة إذا اختارها وأرادها وآثرها على الاصرار. فإن ظن ظان أن ذلك وإن كان كذلك، فقد يجب أن يكون له كفارة كما جاز القصاص كفارة فإنا إنما جعلنا القصاص له كفارة مع ندمه وبذله نفسه لاخذ الحق منها تنصلا من ذنبه، بخبر النبي (ص). فأما الدية إذا اختارها المجروح ثم عفا عنها فلم يقض عليه بحد ذنبه، فيكون ممن دخل في حكم النبي (ص) وقوله: فمن أقيم عليه الحد فهو كفارته. ثم مما يؤكد صحة ما قلنا في ذلك، الاخبار التي ذكرناها عن رسول الله (ص) من قوله: فمن تصدق بدم، وما أشبه ذلك من الاخبار التي قد ذكرناها قبل. وقد يجوز أن يكون القائلون أنه عنى بذلك الجارح، أرادوا المعنى الذي ذكر عن عروة بن الزبير، الذي:
حدثني به الحرث بن محمد، قال: ثنا ابن سلام، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قال: إذا أصاب رجل رجلا ولا يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب، قال: وكان مجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة ابن الزبير عين انسان عند الركن فيما يستلمون، فقال له: يا هذا أنا عروة بن الزبير، فإن كان بعينك بأس فأنا بها.