وقال آخرون: معنى ذلك: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصلاة.
وقالوا: موضع المقيمين خفض.
وقال آخرون: معناه: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة.
وقال أبو جعفر: وهذا الوجه والذي قبله منكر عند العرب، ولا تكاد العرب تعطف لظاهر على مكني في حال الخفض وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها.
وأولى الأقوال عندي بالصواب، أن يكون المقيمين في موضع خفض نسقا على ما التي في قوله: بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وأن يوجه معنى المقيمين الصلاة إلى الملائكة، فيكون تأويل الكلام: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك يا محمد من الكتاب وبما أنزل من قبلك من كتبي وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة ثم يرجع إلى صفة الراسخين في العلم فنقول: لكن الراسخون في العلم منهم، والمؤمنون بالكتب، والمؤتون الزكاة، والمؤمنون بالله واليوم الآخر. وإنما اخترنا هذا على غيره، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: والمقيمين، وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا، فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا. وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبي في ذلك، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ، مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله (ص) يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولا صلحوه بألسنتهم، ولقنوه للأمة تعليما على وجه الصواب. وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة على ما هو به في الخط مرسوما أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب.
وأما من وجه ذلك إلى النصب على وجه المدح للراسخين في العلم وإن كان ذلك قد يحتمل على بعد من كلام العرب لما قد ذكرنا قبل من العلة، وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نعته إلا بعد تمام خبره، وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو به من الفصاحة.
وأما توجيه من وجه ذلك إلى العطف به على الهاء والميم في قوله: لكن الراسخون في العلم منهم أو إلى العطف به على الكاف من قوله: بما أنزل إليك أو إلى الكاف من قوله: وما أنزل من قبلك فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح لما قد ذكرت قبل من قبح رد الظاهر على المكني في الخفض.