الراسخون في العلم، ولكن الكلام لما تطاول واعترض بين الراسخين في العلم والمقيمين الصلاة ما اعترض من الكلام فطال نصب المقيمين على وجه المدح، قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشئ الواحد ونعته إذا تطاولت بمدح أو ذم خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانا ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله، وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه، وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الاعراب. واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرناها في قوله: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء.
وقال آخرون: بل المقيمون الصلاة من صفة غير الراسخين في العلم في هذا الموضع وإن كان الراسخون في العلم من المقيمين الصلاة. وقال قائلو هذه المقالة جميعا: موضع المقيمين في الاعراب خفض، فقال بعضهم: موضعه خفض على العطف على ما التي في قوله: يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ويؤمنون بالمقيمين الصلاة.
ثم اختلف متأولو ذلك في هذا التأويل في معنى الكلام، فقال بعضهم: معنى ذلك:
والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وبإقام الصلاة. قالوا: ثم ارتفع قوله: والمؤتون الزكاة، عطفا على ما في يؤمنون من ذكر المؤمنين، كأنه قيل:
والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك هم والمؤتون الزكاة.
وقال آخرون: بل المقيمون الصلاة: الملائكة. قالوا: وإقامتهم الصلاة: تسبيحهم ربهم واستغفارهم لمن في الأرض. قالوا: ومعنى الكلام: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة.
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة، هم والمؤتون الزكاة، كما قال جل ثناؤه: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين. وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون المقيمين منصوبا على المدح وقالوا: إنما تنصب العرب على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره قالوا: وخبر الراسخين في العلم قوله: أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما. قال: فغير جائز نصب المقيمين على المدح وهو في وسط الكلام ولما يتم خبر الابتداء.