وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ: وجعلنا قلوبهم قسية على فعية، لأنها أبلغ في ذم القوم من قاسية.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله فعيلة من القسوة، كما قيل: نفس زكية وزاكية، وامرأة شاهدة وشهيدة لان الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم ميثاقهم وكفرهم به، ولم يصفهم بشئ من الايمان، فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها يخالطه كفر كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش.
القول في تأويل قوله تعالى: يحرفون الكلم عن مواضعه.
يقول عز ذكره: وجعلنا قلوب هؤلاء الذين نقضوا عهودنا من بني إسرائيل قسية، منزوعا منها الخير، مرفوعا منها التوفيق، فلا يؤمنون، ولا يهتدون، فهم لنزع الله عز وجل التوفيق من قلوبهم والايمان يحرفون كلام ربهم الذي أنزله على نبيهم موسى (ص)، وهو التوراة، فيبدلونه ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله الله عز وجل على نبيهم ويقولون لجهال الناس: هذا هو كلام الله الذي أنزله على نبيه موسى (ص) والتوراة التي أوحاها إليه. وهذا من صفة القرون التي كانت بعد موسى من اليهود ممن أدرك بعضهم عصر نبينا محمد (ص)، ولكن الله عز ذكره أدخلهم في عداد الذين ابتدأ الخبر عنهم ممن أدرك موسى منهم، إذ كانوا من أبنائهم وعلى منهاجهم في الكذب على الله والفرية عليه ونقض المواثيق التي أخذها عليهم في التوراة. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه يعني: حدود الله في التوراة، ويقولون: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه، وإن خالفكم فاحذروا.
القول في تأويل قوله تعالى: ونسوا حظا مما ذكروا به.
يعني تعالى ذكره بقوله: ونسوا حظا: وتركوا نصيبا، وهو كقوله: نسوا الله فنسيهم أي تركوا أمر الله فتركهم الله وقد مضى بيان ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فأغني ذلك عن إعادته.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: