وكان الفراء يقول: العزر الرد عزرته رددته: إذا رأيته يظلم، فقلت: اتق الله أو نهيته، فذلك العزر.
وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: نصرتموهم، وذلك أن الله جل ثناؤه قال في سورة الفتح: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه. فالتوقير: هو التعظيم. وإذا كان ذلك كذلك، كان القول في ذلك إنما هو بعض ما ذكرنا من الأقوال التي حكيناها عمن حكينا عنه. وإذا فسد أن يكون معناه التعظيم، وكان النصر قد يكون باليد واللسان فأما باليد فالذب بها عنه بالسيف وغيره، وأما باللسان فحسن الثناء، والذب عن العرض، صح أنه النصر إذ كان النصر يحوي معنى كل قائل قال فيه قولا مما حكينا عنه.
وأما قوله: وأقرضتم الله قرضا حسنا فإنه يقول: وأنفقتم في سبيل الله، وذلك في جهاد عدوه وعدوكم، قرضا حسنا يقول: وأنفقتم ما أنفقتم في سبيله، فأصبتم الحق في إنفاقكم ما أنفقتم في ذلك، ولم تتعدوا فيه حدود الله وما ندبكم إليه وحثكم عليه إلى غيره.
فإن قال لنا قائل: وكيف قال: وأقرضتم الله قرضا حسنا ولم يقل: إقراضا حسنا، وقد علمت أن مصدر أقرضت: الاقراض؟ قيل: لو قيل ذلك كان صوابا، ولكن قوله: قرضا حسنا أخرج مصدرا من معناه لا من لفظه، وذلك أن في قوله: أقرض معنى قرض، كما في معنى أعطى أخذ، فكان معنى الكلام: وقرضتم الله قرضا حسنا، ونظير ذلك: والله أنبتكم من الأرض نباتا إذ كان في أنبتكم معنى فنبتم، وكما قال امرؤ القيس:
(ورضت فذلت صعبة أي إذلال)