بترك التعرض لمكروههم، فإني أحب من أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه. وكان قتادة يقول: هذه منسوخة، ويقول: نسختها آية براءة: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فاعف عنهم واصفح قال: نسختها: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله.
حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا همام، عن قتادة:
فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ولم يؤمر يومئذ بقتالهم، فأمره الله عز ذكره أن يعفو عنهم ويصفح، ثم نسخ ذلك في براءة فقال: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهم أهل الكتاب. فأمر الله جل ثناؤه نبيه (ص) أن يقاتلهم حتى يسلموا، أو يقروا بالجزية.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: قرأت على ابن أبي عروبة، عن قتادة نحوه.
والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانه، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الامر، هو ما كان نافيا كل معاني خلافه الذي كان قبله. فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله عز وجل، أو من رسوله (ص). وليس في قوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر دلالة على الامر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان جائزا مع إقرارهم بالصغار وأدائهم الجزية بعد القتال، الامر بالعفو عنهم في غدرة هموا بها أو نكثة عزموا عليها، ما لم ينصبوا حربا دون أداء الجزية، ويمتنعوا من الاحكام اللازمة منهم، لم يكن واجبا أن يحكم لقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... الآية، بأنه ناسخ قوله: فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين. القول في تأويل قوله تعالى: *