وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه. قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله (ص)، فأرسلوا هذا الأعرابي. وتأول: اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم... الآية.
وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك، قول من قال: عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله، التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيهم محمدا (ص)، مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبي الله (ص) في الدية التي كان تحملها عن قتيلي عمرو بن أمية.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك، لان الله عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها وخيانتها ربها وأنبياءها. ثم أمر نبيه (ص) بالعفو عنهم والصفح عن عظيم جهلهم، فكان معلوما بذلك أنه (ص) لم يؤمر بالعفو عنهم والصفح عقيب قوله: إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ومن غيره كان يبسط الأيدي إليهم، لأنه لو كان الذين هموا ببسط الأيدي إليهم غيرهم لكان حريا أن يكون الامر بالعفو والصفح عنهم لا عمن لم يجر لهم بذلك ذكر، ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكر، ففي ذلك ما ينبئ عن صحة ما قضينا له بالصحة من التأويلات في ذلك دون ما خالفه.
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
يعني جل ثناؤه: واحذروا الله أيها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم أن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قبل لكم به. وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول: وإلى الله فليلق أزمة أمورهم، ويستسلم لقضائه، ويثق بنصرته وعونه، المقرون بوحدانية الله ورسالة رسوله، العاملون بأمره ونهيه، فإن ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم، وأنهم إذا فعلوا ذلك كلاهم ورعاهم وحفظهم ممن أرادهم بسوء، كما حفظكم ودافع عنكم أيها المؤمنون اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليكم،