إذ كان في رضت معنى أذللت، فخرج الاذلال مصدرا من معناه لا من لفظه.
القول في تأويل قوله تعالى: لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
يعني جل ثناؤه بذلك بني إسرائيل، يقول لهم جل ثناؤه: لئن أقمتم الصلاة أيها القوم الذين أعطوني ميثاقهم بالوفاء بطاعتي، واتباع أمري، وآتيتم الزكاة، وفعلتم سائر ما وعدتكم عليه جنتي لأكفرن عنكم سيئاتكم يقول: لأغطين بعفوي عنكم وصفحي عن عقوبتكم، على سالف إجرامكم التي أجرمتموها فيما بيني وبينكم على ذنوبكم التي سلفت منكم من عبادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم ولأدخلنكم مع تغطيتي على ذلك منكم بفضلي يوم القيامة جنات تجري من تحتها الأنهار فالجنات: البساتين.
وإنما قلت: معنى قوله: لأكفرن: لأغطين، لان الكفر معناه الجحود والتغطية والستر، كما قال لبيد:
(في ليلة كفر النجوم غمامها) يعني: غطاها. فالتكفير التفعيل من الكفر.
واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: لأكفرن فقال بعض نحويي البصرة: اللام الأولى على معنى القسم، يعني اللام التي في قوله: لئن أقمتم الصلاة قال: والثانية معنى قسم آخر.
وقال بعض نحويي الكوفة: بل اللام الأولى وقعت موقع اليمين، فاكتفى بها عن اليمين، يعني باللام الأولى: لئن أقمتم الصلاة. قال: واللام الثانية، يعني قوله: لأكفرن عنكم سيئاتكم جواب لها، يعني للأم التي في قوله: لئن أقمتم الصلاة. واعتل لقيله ذلك بأن قوله: لئن أقمتم الصلاة غير تام ولا مستغن عن قوله: لأكفرن عنكم سيئاتكم. وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز أن يكون قوله: لأكفرن عنكم سيئاتكم قسما مبتدأ، بل الواجب أن يكون جوابا لليمين إذ كانت غير مستغنية عنه. وقوله: تجري من تحتها الأنهار يقول: يجري من تحت أشجار هذه البساتين التي أدخلكموها الأنهار.
القول في تأويل قوله تعالى: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل.