نهاكم عنه، يف لكم بما ضمن لكم الوفاء به إذا أنتم وفيتم له بميثاقه من إتمام نعمته عليكم، وبادخالكم جنته وبانعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال: عني به الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات الله عليه، لان الله جل ثناؤه ذكر بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة بعد ما أنزل كتابه على نبيه موسى (ص) فيما أمرهم به ونهاهم فيها، فقال: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا... الآيات بعدها، منبها بذلك أصحاب رسول الله (ص) محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه، ومعرفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله، زاجرا لهم عن نكث عهودهم، فيحل بهم ما أحل بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم، فكان إذا كان الذي ذكرهم فوعظهم به، ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم واجبا، أن يكون الحال التي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظير حال الذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بينا صحة ما قلنا في ذلك وفساد خلافه.
وأما قوله: واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور فإنه وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين الذين أطافوا برسوله (ص) من أصحابه، وتهديدا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسله وعهدهم الذي عاهدوه فيه، بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم.
يقول لهم جل ثناؤه: واتقوا الله أيها المؤمنون، فخافوه أن تبدلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم: سمعنا وأطعنا، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم، وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شئ من ذلك، فيحل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حل بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النقم، وتصيروا في معادكم إلى سخط الله وأليم عقابه. القول في تأويل قوله تعالى: *