صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولم يحد ذلك بحد لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك، فما مسح به المتوضئ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلى صلاته.
فإن قال لنا قائل: فإن الله قد قال في التيمم: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم أفيجزئ المسح ببعض الوجه واليدين في التيمم؟ قيل له: كل ما مسح من ذلك بالتراب فيما تنازعت فيه العلماء، فقال بعضهم: يجزيه ذلك من التيمم، وقال بعضهم: لا يجزئه، فهو مجزئه، لدخوله في اسم الماسحين به. وما كان من ذلك مجمعا على أنه غير مجزئه، فمسلم لما جاءت به الحجة نقلا عن نبيها (ص)، ولا حجة لاحد علينا في ذلك إذ كان من قولنا: إن ما جاء في آي الكتاب عاما في معنى فالواجب الحكم به على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له، فإذا خص منه منه شئ كان ما خص منه خارجا من ظاهره، وحكم سائره على العموم. وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بذلك في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. والرأس الذي أمر الله عز وجل بالمسح به بقوله: وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قبل وجهه إلى الجبهة.
القول في تأويل قوله تعالى: وأرجلكم إلى الكعبين.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قراء الحجاز والعراق: وأرجلكم إلى الكعبين نصبا. فتأويله: إذا قمتم إلى الصلاة، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وأرجلكم إلى الكعبين، وامسحوا برءوسكم. وإذا قرئ كذلك كان من المؤخر الذي معناه التقديم، وتكون الأرجل منصوبة، عطفا على الأيدي. وتأول قارئو ذلك كذلك، أن الله جل ثناؤه إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها.
ذكر من قال: عنى الله بقوله: وأرجلكم إلى الكعبين الغسل:
حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة: أن رجلا صلى وعلى ظهر قدمه موضع ظفر، فلما قضى صلاته، قال له عمر: أعد وضوءك وصلاتك.