العينين في مؤنة إيصال الماء إليهما عند الوضوء ما بطن من الانف والفم وشعر اللحية والصدغين والشاربين، لان كل ذلك لا يصل الماء إليه إلا بعلاج لايصال الماء إليه نحو كلفة علاج الحدقتين لايصال الماء إليهما أو أشد. وإذا كان ذلك كذلك، كان بينا أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تحت منابت شعر اللحية والعارضين والشاربين وما بطن من الانف والفم، إنما كان إيثارا منه لأشق الامرين عليه من غسل ذلك وترك غسله، كما آثر ابن عمر غسل ما تحت أجفان العينين بالماء بصبه الماء في ذلك، لا على أن ذلك كان عليه عنده فرضا واجبا. فأما من ظن أن ذلك من فعلهم كان على وجه الايجاب والفرض، فإنه خالف في ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبيل القياس، لان القياس هو ما وصفنا من تمثيل المختلف فيه من ذلك بالأصل المجمع عليه من حكم العينين، وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول الله (ص) أوجب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لحيته وعارضيه، وتارك المضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلى بطهره ذلك، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثارا منهم لأفضل الفعلين من الترك والغسل.
فإن ظن ظان أن في الاخبار التي رويت عن رسول الله (ص)، أنه قال: إذا توضأ أحدكم فليستنثر دليلا على وجوب الاستنثار، فإن في إجماع الحجة على أن ذلك غير فرض واجب يجب على من تركه إعادة الصلاة التي صلاها قبل غسله، ما يغني عن إكثار القول فيه. وأما الأذنان فإن في إجماع جميعهم على أن ترك غسلهما أو غسل ما أقبل منهما على الوجه، غير مفسد صلاة من صلى بطهره الذي ترك فيه غسلهما، مع إجماعهم جميعا على أنه لو ترك غسل شئ مما يجب عليه غسله من وجهه في وضوئه أن صلاته لا تجزئه بطهوره ذلك، ما ينبئ عن القول في ذلك مما قاله أصحاب رسول الله (ص) الذي ذكرنا قولهم إنهما ليسا من الوجه دون ما قاله الشعبي.
القول في تأويل قوله تعالى: وأيديكم إلى المرافق.
اختلف أهل التأويل في المرافق، هل هي من اليد الواجب غسلها أم لا؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب. فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله: فاغسلوا