الحنفي، قال: ثنا عباد بن منصور قال: سألت الحسن، عن قوله: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) *... الآية كلها، قال: أخذ الله ميثاق النبيين: ليبلغن آخركم أولكم ولا تختلفوا.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنه ميثاق النبيين وأممهم، فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها، لان في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التباع، لان الأمم هم تباع الأنبياء. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم، يعني على أهل الكتاب، وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه، يعني بتصديق محمد (ص) إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) *... إلى آخر الآية.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال:
ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضا، وأخذ الأنبياء على أممها، وتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها، من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به، لان الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها، ولم يدع أحد ممن صدق المرسلين أن نبيا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل، وحججه في عباده، بل كلها، وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله بجحودها نبوته، مقرة بأن من ثبتت صحة نبوته، فعليها الدينونة بتصديقه فذلك ميثاق مقر به جميعهم. ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء، لان الله عز وجل، قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين، فسواء قال قائل: لم يأخذ ذلك منها ربها، أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت، وقد نص الله عز وجل أنه أمرها بتبليغه، لأنهما جميعا خبران من الله عنها، أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرها، فإن جاز الشك في أحدهما جاز في الآخر. وأما ما استشهد به الربيع بن أنس على أن المعني بذلك أهل الكتاب من قوله: * (لتؤمنن به ولتنصرنه) * فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال، لان الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض، وتصديق بعضها بعضا، نصرة من بعضها بعضا.