وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب، لان الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت في سياق واحد. وإنما قلنا:
معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي، لأنه جل ثناؤه قال: * (لن تقبل توبتهم) * فكان معلوما أن معنى قوله: * (لن تقبل توبتهم) * إنما هو معني به: لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم، لان الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده، فقال: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * فمحال أن يقول عز وجل أقبل، ولا أقبل في شئ واحد. وإذ كان ذلك كذلك، وكان من حكم الله في عباده أنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب، وكان الكفر بعد الايمان أحد تلك الذنوب التي وعد قبول التوبة منها بقوله: * (إلا الذين تابوا وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * علم أن المعنى الذي لا تقبل التوبة منه، غير المعنى الذي تقبل التوبة منه. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي لا تقبل منه التوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لان الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله، فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإن الله كما وصف به نفسه، غفور رحيم.
فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون معنى ذلك، كما قال من قال: فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله، أو توبته الأولى؟ قيل: أنكرنا ذلك لان التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته، فأما بعد مماته فلا توبة، وقد وعد الله عز وجل عباده قبول التوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، ولا خلاف بين جميع الحجة في أن كافرا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه والموارثة، وسائر الأحكام غيرها، فكان معلوما بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة، لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الاسلام، ولا منزلة بين الموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل الله فيها توبة الكافر، فإذا صح أنها في حال حياته مقبولة، ولا سبيل بعد الممات إليها، بطل قول الذي زعم أنها غير مقبولة عند حضور الاجل.
وأما قول من زعم أن معنى ذلك التوبة التي كانت قبل الكفر فقول لا معنى له، لان الله عز وجل لم يوصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر، ثم كفر بعد إيمان، بل إنما