حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قوله: * (كونوا ربانيين) * قال: حكماء أتقياء.
وقال آخرون: بل هم ولاة الناس وقادتهم. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قوله: * (كونوا ربانيين) * قال: الربانيون: الذين يربون الناس ولاة هذا الامر، يربونهم: يلونهم. وقرأ: * (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) * قال: الربانيون: الولاة، والأحبار: العلماء.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في الربانيين أنهم جمع رباني، وأن الرباني المنسوب إلى الربان: الذي يرب الناس، وهو الذي يصلح أمورهم ويربها، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي * وقبلك ربتني فضعت ربوب يعني بقوله: ربتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعت، يقال منه: رب أمري فلان فهو بربه ربا وهو رابه، فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل: هو ربان، كما يقال: هو نعسان، من قولهم: نعس ينعس، وأكثر ما يجئ من الأسماء على فعلان ما كان من الأفعال الماضية على فعل مثل قولهم: هو سكران وعطشان وريان، من سكر يسكر، وعطش يعطش، وروي يروى، وقد يجئ مما كان ماضيه على فعل يفعل، نحو ما قلنا من نعس ينعس، ورب يرب.
فإذا كان الامر في ذلك على ما وصفنا، وكان الربان ما ذكرنا، والرباني: هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يرب أمور الناس بتعليمه إياهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التقي لله، والولي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم، بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النفع عليهم في دينهم ودنياهم، كانوا جميعا مستحقين أنهم ممن دخل في قوله عز وجل * (ولكن كونوا ربانيين) *.
فالربانيون إذا، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا، ولذلك قال مجاهد: