وهم فوق الأحبار، لان الأحبار هم العلماء. والرباني: الجامع إلى العلم والفقه، البصر بالسياسة والتدبير، والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.
القول في تأويل قوله تعالى: * (بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون) *.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء أهل الحجاز وبعض البصريين: بما كنتم تعلمون بفتح التاء وتخفيف اللام، يعني: بعلمكم الكتاب، ودراستكم إياه وقراءتكم. واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك، بأن الصواب لو كان التشديد في اللام وضم التاء، لكان الصواب في تدرسون بضم التاء وتشديد الراء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: * (بما كنتم تعلمون الكتاب) * بضم التاء من تعلمون وتشديد اللام، بمعنى:
بتعليمكم الناس الكتاب، ودراستكم إياه. واعتلوا لاختيارهم ذلك بأن من وصفهم بالتعليم فقد وصفهم بالعلم، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون.
قالوا: ولا موصوف بأنه يعلم، إلا وهو موصوف بأنه عالم. قالوا: فأما الموصوف بأنه عالم، فغير موصوف بأنه معلم غيره. قالوا: فأولى القراءتين بالصواب، أبلغهما في مدح القوم، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قرأ: بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون مخففة بنصب التاء. وقال ابن عيينة: ما علموه حتى علموه.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأه بضم التاء وتشديد اللام، لان الله عز وجل وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية، يقول جل ثناؤه: * (ولكن كونوا ربانيين) * على ما بينا قبل من معنى الرباني. ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس، وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم. ودراستهم إياه: تلاوته، وقد قيل: دراستهم الفقه.
وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا من تلاوة الكتاب، لأنه عطف على قوله: * (تعلمون الكتاب) *، والكتاب: هو القرآن، فلان تكون الدراسة معنيا بها دراسة القرآن أولى من أن تكون معنيا بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: قال يحيى بن آدم: قال أبو زكريا: