وإنما أخبر الله عز وجل عباده بذلك من أمر المسيح، وأنه كذلك كان، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخا، احتجاجا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى بالباطل، وأنه كان في معاناة أشياء مولودا طفلا، ثم كهلا يتقلب في الاحداث، ويتغير بمرور الأزمنة عليه والأيام، من صغر إلى كبر، ومن حال إلى حال، وأنه لو كان كما قال الملحدون فيه، كان ذلك غير جائز عليه، فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نجران، الذين حاجوا رسول الله (ص) فيه، واحتج به عليهم لنبيه محمد (ص)، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين) * يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته، وتعريفا للعباد مواقع قدرته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين) * يقول: يكلمهم صغيرا وكبيرا.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا) * قال: يكلمهم صغيرا وكبيرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (وكهلا ومن الصالحين) * قال: الكهل: الحليم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
كلمهم صغيرا وكبيرا وكهلا. وقال ابن جريج، وقال مجاهد: الكهل: الحليم.
حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا) * قال: كلمهم في المهد صبيا، وكلمهم كبيرا.
وقال آخرون: معنى قوله: * (وكهلا) *: أنه سيكلمهم إذا ظهر. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله: * (ويكلم الناس في المهد وكهلا) * قال: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذ كهل.
ونصب كهلا عطفا على موضع: ويكلم الناس. وأما قوله: * (ومن الصالحين) * فإنه