استحييتك. * (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) * قال: أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا! فخرج القوم كلهم قد امتاروا. وجوالقا إبراهيم يصطفقان، حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله، قال: ليحزنني صبياي إسماعيل وإسحاق، لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء فذهبت بهما قرت عينا صبيتي، حتى إذا كان الليل أهرقته. قال: فملأهما ثم خيطهما، ثم جاء بهما، فترامى عليهما الصبيان فرحا، وألقى رأسه في حجر سارة ساعة، ثم قالت: ما يجلسني! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا، لو قمت صنعت له طعاما إلى أن يقوم!
قال: فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها، وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه. قال: فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها، فإذا حواري من النقي لم يروا مثله عند أحد قط، فأخذت منه فطحنته وعجنته. فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه، فقال: أي شئ هذا يا سارة؟ قالت: من جوالقك، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير. قال: فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله، فعرف من أين ذاك.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، قال هو، يعني نمروذ: فأنا أحيي وأميت، فدعا برجلين، فاستحيا أحدهما، وقتل الآخر، قال: أنا أحيي وأميت، قال: أي أستحيي من شئت، فقال إبراهيم: * (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) *.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما خرج إبراهيم من النار، أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمروذ: أنا أحيي وأميت، أنا أدخل أربعة نفر بيتا، فلا يطعمون ولا يسقون، حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا! فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك.