القول في تأويل قوله تعالى: * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل، وهو الكتاب الذي ذكره الله في هذه الآية في أمر عيسى، وافترائهم على الله فيما قالوه فيه من الأقوال التي كثر بها اختلافهم بينهم وتشتت بها كلمتهم، وباين بها بعضهم بعضا، حتى استحل بها بعضهم دماء بعض، * (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * يعني: إلا من بعد ما علموا الحق فيما اختلفوا فيه من أمره وأيقنوا أنهم فيما يقولون فيه من عظيم الفرية مبطلون. فأخبر الله عباده أنهم أتوا ما أتوا من الباطل وقالوا ما قالوا من القول الذي هو كفر بالله على علم منهم بخطأ ما قالوه، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم بخطئه، ولكنهم قالوه واختلفوا فيه الاختلاف الذي هم عليه، تعديا من بعضهم على بعض، وطلب الرياسات والملك والسلطان. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * قال: قال أبو العالية: إلا من بعدما جاءهم الكتاب والعلم بغيا بينهم، يقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضا على الدنيا، من بعد ما كانوا علماء الناس.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن ابن عمر: أنه كان يكثر تلاوة هذه الآية: * (إن الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * يقول: بغيا على الدنيا، وطلب ملكها وسلطانها، من قبلها والله أتينا! ما كان علينا من يكون، بعد أن يأخذ فينا كتاب الله وسنة نبيه، ولكنا أتينا من قبلها.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: إن موسى لما حضره الموت دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل، فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليه، كل حبر جزءا منه، واستخلف موسى يوشع بن نون. فلما مضى القرن الأول، ومضى الثاني، ومضى الثالث، وقعت الفرقة بينهم، وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين، حتى أهراقوا بينهم الدماء، ووقع الشر والاختلاف، وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا، طلبا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها، فسلط الله عليهم جبابرتهم، فقال الله: * (إن الدين عند الله الاسلام) * إلى قوله: * (والله بصير بالعباد) *.