فكان معناه: شهد الله القائم بالقسط أنه لا إله إلا هو. وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود كذلك: وأولو العلم القائم بالقسط، ثم حذفت الألف واللام من القائم فصار نكرة وهو نعت لمعرفة، فنصب.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي قول من جعله قطعا على أنه من نعت الله جل ثناؤه، لان الملائكة وأولي العلم معطوفون عليه، فكذلك الصحيح أن يكون قوله قائما حالا منه.
وأما تأويل قوله: * (لا إله إلا هو العزيز الحكيم) * فإنه نفى أن يكون شئ يستحق العبودة غير الواحد الذي لا شريك له في ملكه. ويعني بالعزيز: الذي لا يمتنع عليه شئ أراده، ولا ينتصر منه أحد عاقبة أو انتقم منه، الحكيم في تدبيره، فلا يدخله خلل.
وإنما عنى جل ثناؤه بهذه الآية نفي ما أضافت النصارى الذين حاجوا رسول الله (ص) في عيسى من البنوة، وما نسب إليه سائر أهل الشرك من أن له شريكا، واتخاذهم دونه أربابا. فأخبرهم الله عن نفسه أنه الخالق كل ما سواه، وأنه رب كل ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربا دونه، وأن ذلك مما يشهد به هو وملائكته وأهل العلم به من خلقه. فبدأ جل ثناؤه بنفسه تعظيما لنفسه، وتنزيها لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به ما نسبوا إليها، كما سن لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره، مؤدبا خلقه بذلك.
والمراد من الكلام: الخبر عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدموه من ملائكته وعلماء عباده، فأعلمهم أن ملائكته - التي يعظمها العابدون غيره من أهل الشرك ويعبدها الكثير منهم - وأهل العلم منهم منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم، وقولهم في عيسى وقول من اتخذ ربا غيره من سائر الخلق، فقال شهدت الملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو، وأن كل من اتخذ ربا دون الله فهو كاذب، احتجاجا منه لنبيه عليه الصلاة والسلام على الذين حاجوه من وفد نجران في عيسى، واعترض بذكر الله وصفته على ما نبينه، كما قال جل ثناؤه: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) * افتتاحا باسمه الكلام،