في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الاسلام؟ قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل في خاص من الامر، ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه. فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عباس وغيره، إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الاسلام لهم، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الاسلام، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها على النحو الذي قلنا في ذلك.
ومعنى قوله: * (لا إكراه في الدين) * لا يكره أحد في دين الاسلام عليه، وإنما أدخلت الألف واللام في الدين تعريفا للدين الذي عنى الله بقوله: لا إكراه فيه، وأنه هو الاسلام.
وقد يحتمل أن يكون أدخلتا عقيبا من الهاء المنوية في الدين، فيكون معنى الكلام حينئذ: وهو العلي العظيم لا إكراه في دينه، قد تبين الرشد من الغي. وكأن هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي.
وأما قوله: * (قد تبين الرشد) * فإنه مصدر من قول القائل: رشدت فأنا أرشد رشدا ورشدا ورشادا، وذلك إذا أصاب الحق والصواب. وأما الغي، فإنه مصدر من قول القائل:
قد غوى فلان فهو يغوى غيا وغواية. وبعض العرب يقول: غوى فلان يغوى. والذي عليه قراءة القراء: * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * بالفتح، وهي أفصح اللغتين، وذلك إذا عدا الحق وتجاوزه فضل.
فتأويل الكلام إذا: (قد وضح الحق من الباطل، واستبان لطالب الحق والرشاد وجه مطلبه، فتميز من الضلالة والغواية، فلا تكرهوا من أهل الكتابين، ومن أبحت لكم أخذ الجزية منه، على دينكم، دين الحق، فإن من حاد عن الرشاد بعد استبانته له، فإلى ربه أمره، وهو ولي عقوبته في معاده.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله) *