عن أبيه، عن ابن عباس: * (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) * قال: وذلك لما دخل الناس في الاسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية.
وقال آخرون: هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: سألت زيد بن أسلم عن قول الله تعالى ذكره: * (لا إكراه في الدين) * قال: كان رسول الله (ص) بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم، فاستأذن الله في قتالهم، فأذن له.
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: * (لا إكراه في الدين) * أهل الكتابين والمجوس، وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه. وأنكروا أن يكون شئ منها منسوخا.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب لما قد دللنا عليه في كتابنا كتاب اللطيف من البيان عن أصول الاحكام من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص، فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل أن يقال: لا إكراه لاحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم (ص) أنه أكره على الاسلام قوما، فأبى أن يقبل منهم إلا الاسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الاسلام بقبوله الجزية منه، وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين، ومن أشبههم، كان بينا بذلك أن معنى قوله: * (لا إكراه في الدين) * إنما هو لا إكراه في الدين لاحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الاسلام. ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالاذن بالمحاربة.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه: من أنها نزلت