مال المربي بعد بطول الربا عنه حكم واجب لكل من كان عليه دين لرجل قد حل عليه، وهو بقضائه معسر في أنه منظر إلى ميسرته، لان دين كل ذي دين في مال غريمه وعلى غريمه قضاؤه منه لا في رقبته، فإذا عدم ماله، فلا سبيل له على رقبته بحبس ولا بيع، وذلك أن مال رب الدين لن يخلو من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكون في رقبة غريمه، أو في ذمته يقضيه من ماله، أو في مال له بعينه، فإن يكن في مال له بعينه، فمتى بطل ذلك المال وعدم، فقد بطل دين رب المال، وذلك ما لا يقوله أحد ويكون في رقبته، فإن يكن كذلك فمتى عدمت نفسه، فقد بطل دين رب الدين، وإن خلف الغريم وفاء بحقه وأضعاف ذلك، وذلك أيضا لا يقوله أحد، فقد تبين إذا كان ذلك كذلك أن دين رب المال في ذمة غريمه يقضيه من ماله، فإذا عدم ماله فلا سبيل له على رقبته، لأنه قد عدم ما كان عليه أن يؤدى منه حق صاحبه لو كان موجودا، وإذا لم يكن على رقبته سبيل لم يكن إلى حبسه بحقه وهو معدوم سبيل، لأنه غير مانعه حقا له إلى قضائه سبيل، فيعاقب بظلمه إياه بالحبس.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) *.
يعني عز وجل بذلك: وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على هذا المعسر، خير لكم أيها القوم من أن تنظروه إلى ميسرته لتقبضوا رؤوس أموالكم منه إذا أيسر، * (إن كنتم تعلمون) * موضع الفضل في الصدقة، وما أوجب الله من الثواب لمن وضع عن غريمه المعسر دينه واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: وأن تصدقوا برؤوس أموالك على الغني والفقير منهم خير لكم. ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) * والمال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا. * (وأن تصدقوا خير لكم) *. يقول وإن تصدقوا بأصل المال، خير لكم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد عن قتادة: * (وأن تصدقوا) * أي برأس المال فهو خير لكم.
وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: * (وأن تصدقوا خير لكم) * قال: من رؤوس أموالكم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله.