وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله، أيستحق هذا الوعيد من الله؟ قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل، إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا، فذكرهم بصفتهم معظما بذلك عليهم أمر الربا، ومقبحا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) *... الآية ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا، وأن سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاؤه، كالذي تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص) من قوله: لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه إذا علموا به.
(القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس من الجنون، فقال تعالى ذكره هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قبح حالهم ووحشة قيامهم من قبورهم وسوء ما حل بهم من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون إنما البيع الذي أحله الله لعباده مثل الربا، وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربا من أهل الجاهلية، كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق زدني في الاجل وأزيدك في مالك، فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك: هذا