أغناه الله، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئا نجده، قال: فرجعت إلى نفسي، فقلت: ألا أستعف فيعفني الله! فرجعت فما سألت رسول الله (ص) شيئا بعد ذلك من أمر حاجة حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا إلا من عصم الله.
الدلالة الواضحة على أن التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد، وأن من كان موصوفا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافا أو غير إلحاف.
فإن قال قائل: فإن كان الامر على ما وصفت، فما وجه قوله: * (لا يسألون الناس إلحافا) * وهم لا يسألون الناس إلحافا أو غير إلحاف؟ قيل له: وجه ذلك أن الله تعالى ذكره لما وصفهم بالتعفف وعرف عباده أنهم ليسوا أهل مسألة بحال بقوله: * (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) * وأنهم إنما يعرفون بالسيما، زاد عباده إبانة لأمرهم، وحسن ثناء عليهم بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم. وقال: كان بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل: فلما رأيت مثل فلان، ولعله لم يره مثله أحدا ولا نظيرا.
وبنحو الذي قلنا في معنى الالحاف قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي:
* (لا يسألون الناس إلحافا) * قال: لا يلحفون في المسألة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (لا يسألون الناس إلحافا) * قال: هو الذي يلح في المسألة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (لا يسألون الناس إلحافا) * ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إن الله يحب الحليم الغني المتعفف، ويبغض الغني الفاحش البذي السائل الملحف قال: وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول:
إن الله عز وجل كره لكم ثلاثا، قيل وقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال فإذا شئت رأيته