حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: * (تعرفهم بسيماهم) * قال: السيما: رثاثة ثيابهم، والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها تخفى على الناس.
وأول الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيه (ص) أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وإنما كان النبي (ص) يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعيان، فيعرفهم وأصحابه بها، كما يدرك المريض فيعلم أنه مريض بالمعاينة.
وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشعا منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضر، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميع ذلك، وإنما تدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الانسان، ويعلم أنها من الحاجة والضر بالمعاينة دون الوصف، وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض نظير آثار المجهود من الفاقة والحاجة، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثياب الرثة، فيتزيا بزي أهل الحاجة، فلا يكون في شئ من ذلك دلالة بالصفة على أن الموصوف به مختل ذو فاقة، وإنما يدري ذلك عند المعاينة بسيماه، كما وصفهم الله نظير ما يعرف أنه مريض عند المعاينة دون وصفه بصفته.
القول في تأويل قوله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) *.
يقال: قد ألحف السائل في مسألته إذا ألح فهو يلحف فيها إلحافا.
فإن قال قائل: أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غير إلحاف؟ قيل: غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئا على وجه الصدقة، إلحافا أو غير إلحاف، وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم، فلو كانت المسألة من شأنهم لم تكن صفتهم التعفف، ولم يكن بالنبي (ص) إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تنبئ عن حالهم وأمرهم. وفي الخبر الذي:
حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري، قال: أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيت رسول الله (ص) فسألته.
فانطلقت إليه معنقا، فكان أول ما واجهني به: من استعف أعفه الله، ومن استغنى