قال ربي إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين.
وبديهي إن رفض بني إسرائيل القاطع لأمر نبيهم كان بمثابة الكفر، وما استخدام القرآن لعبارة " الفاسق " بحق هؤلاء إلا لأن كلمة " الفسق " لها معان واسعة، وتشمل كل خروج وانحراف عن سنة العبودية لله، ولذلك نقرأ في القرآن الكريم - حين التحدث عن انحراف الشيطان - قول الله تعالى: ففسق عن أمر ربه... (1).
وتجدر هنا الإشارة إلى أن جملة: من الذين يخافون... الواردة في الآيات السابقة تدل على وجود قلة من اليهود كانت تخشى الله، ومنهم الرجلان المذكوران في إحدى الآيات الأخيرة وهما " يوشع " و " كاليب " بينما نلاحظ أن موسى (عليه السلام) لا يذكر هنا غير نفسه وأخيه، ولا يذكر ولو حتى بالتلميح أحدا من تلك القلة، وقد يكون السبب هو أن هارون لكونه الوصي لأخيه موسى (عليه السلام) ولكونه أبرز شخصية في بني إسرائيل من بعد موسى (عليه السلام)... لذلك ذكر اسمه دون غيره.
وكانت نتيجة صلف وعناد بني إسرائيل أنهم لاقوا عقابهم، إذ استجاب الله دعاء نبيه موسى (عليه السلام)، فحرم عليهم دخول الأرض المقدسة، المليئة بالخيرات مدة أربعين عاما، وفي هذا المجال تقول الآية القرآنية الكريمة: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة....
وزادهم عذابا إذ كتب عليهم التيه والضياع في البراري والقفار طيلة تلك الفترة، حيث تقول الآية في ذلك: يتيهون في الأرض... وقد سميت الصحراء التي تاه فيها بنو إسرائيل باسم " التيه " أيضا، وكانت جزءا من صحراء سيناء، كما ذكرنا في الجزء الأول من تفسيرنا هذا.
بعد ذلك تذكر الآية أن ما نال بني إسرائيل من عذاب في تلك المدة، كان مناسبا لما فعلوه، وتطلب من موسى (عليه السلام) أن لا يحزن على المصير الذي لا قوه