في هامش الآية (281) من سورة البقرة - حيث قلنا هناك بأن هذه الآية هي آخر آية نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن كلامنا الحالي هو عن آخر سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلامنا السابق كان عن آية واحدة.
لقد تم التأكيد في هذه السورة - لما تمتاز به من موقع خاص - على مجموعة من المفاهيم الإسلامية، وعلى آخر البرامج والمشاريع الدينية، وقضية قيادة الأمة وخلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد يكون هذا هو السبب في استهلال سورة المائدة بقضية الإلزام بالوفاء بالعهد والميثاق، حيث تقول الآية في أول جملة لها: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود... وذلك لكي تلزم المؤمنين بالوفاء بعهودهم التي عقدوها في الماضي مع الله أو تلك التي أشارت إليها هذه السورة.
ويأتي هذا التأكيد على غرار ما يفعله المسافر في اللحظات الأخيرة، من الوداع مع أهله وأقاربه وأنصاره حيث يؤكد عليهم أن لا ينسوا وصاياه ونصائحه، وأن يوفوا بالعهود والمواثيق التي عقدوها معه.
ويجب الالتفات إلى أن كلمة " عقود " هي صيغة جمع من " عقد " التي تعني في الأصل شد أطراف شئ معين ببعضها شدا محكما، ومن هنا يسمى شد طرفي الحبل أو شد حبلين ببعضهما " عقدا ".
بعد ذلك تنتقل الآية من هذا المعنى المحسوس إلى المفهوم المعنوي فتسمي كل عهد أو ميثاق عقدا، لكن بعض المفسرين - قالوا بأن كلمة " عقد " مفهوم أضيق من العهد، لأن كلمة العقد تطلق على العهود المحكمة إحكاما كافيا، ولا تطلق على كل العهود، وإذا وردت في بعض الروايات أو في عبارات المفسرين كلمتا العقد والعهد للدلالة على معنى واحد فذلك لا ينافي ما قلناه، لأن المقصود في هذه الروايات أو العبارات هو التفسير الإجمالي لهاتين الكلمتين لا بيان جزئياتهما.
ونظرا لأن كلمة العقود هي صيغة جمع دخلت عليها الألف واللام للدلالة