الذهن سؤال هو: لو كان التمني والترجي جائزين بالنسبة للإنسان لعدم علمه بالغيب ولمحدودية قدرته وعجزه عن فعل وإنجاز كل ما يريد، فكيف يجوز استخدامهما من قبل الله العالم بالغيب والشهادة والقادر على كل شئ؟! والطمع والترجي يكونان في جاهل عاجز والله منزه عن ذلك؟
ذهب كثير من العلماء إلى تأويل معنى كلمتي " عسى " و " لعل " الواردتين في كلام الله فقالوا: بأنهما إذا وردتا في كلامه سبحانه عز وجل فإنهما تفقدان معانيهما الحقيقية الأصلية وتكتسبان معاني جديدة، وقالوا: إن كلمة " عسى " إذا أتت في كلام الله جاءت بمعنى " الوعد " وإن كلمة " لعل " تأتي في كلامه - عز من قائل - بمعنى " الطلب ".
والحق أن هاتين الكلمتين لا يتغير معناهما إذا وردتا في كلام الله، ولا يستلزمان الجهل أو العجز، لكن استخدامهما يأتي في مواضع يكون الوصول فيها إلى الهدف بحاجة إلى مقدمات عديدة، فإن لم تتوفر إحدى هذه المقدمات أو بعضها لم يمكن القطع بتحقق ذلك الهدف، بل تأتي مسألة تحقق الهدف على شكل احتمال، ويكون الحكم في هذا المجال احتماليا.
على سبيل المثال يقول القرآن الكريم: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون (1) ولا يعني هنا أن رحمة الله تشمل كل من يستمع أو ينصت إلى القرآن أثناء قراءته، بل أن الاستماع والإنصات يكونان مقدمة من مقدمات نيل رحمة الله، وهناك مقدمات أخرى مثل فهم القرآن وتدبر آياته والعمل بأحكامه.
ويتضح من هذا أن تحقيق مقدمة واحدة لا يكفي لحصول النتيجة المطلوبة ولا يمكن الجزم أو القطع بحتمية تحقق النتيجة، بل كل ما يمكن الحكم به هو احتمال حدوثها، والحقيقة إن مثل هذه الكلمات حين تأتي في كلام الله، يكون