حفيظا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة " حفيظ " صفة مشبهة باسم الفاعل، وتدل على ثبات واستمرار الصفة في الموصوف، بخلاف اسم الفاعل " حافظ "، فعبارة " حفيظ " تعني الذي يراقب ويحافظ بصورة دائمة مستمرة، ويستدل من الآية على أن واجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو قيادة الناس وهدايتهم وإرشادهم، ودعوتهم إلى اتباع الحق واجتناب الباطل، ومكافحة الفساد، وحين يصر البعض على اتباع طريق الباطل والانحراف عن جادة الحق، فلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسؤول عن هذه الانحرافات، ولا المطلوب منه أن يراقب هؤلاء المنحرفين في كل صغيرة وكبيرة، كما ليس المطلوب منه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستخدم القوة لإرغام المنحرفين على العدول عن انحرافهم، ولا يمكنه بالوسائل العادية القيام بمثل هذه الأعمال.
وعلى هذا الأساس، فإن الآية قد تكون - أيضا - إشارة إلى غزوات كغزوة أحد حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلفا - فقط - بتجنيد الإمكانيات المتوفرة من الناحية العسكرية في إعداد خطة للدفاع عن المسلمين حيال هجمات الأعداء، وبديهي أن تكون إطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الأمر إطاعة لله، ولو افترضنا أن أفرادا عصوا الرسول في هذا المجال وأدى عصيانهم إلى تراجع المسلمين، فالعاصون - وحدهم - هم المسؤولون عن ذلك، وليس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
والأمر المهم الآخر في هذه الآية هو أنها واحدة من أكثر آيات القرآن دلالة على حجية السنة النبوية الشريفة، فهي حكم بوجوب الاذعان للأحاديث الصحيحة المروية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستنادا إلى هذه الآية لا يجوز لأحد القول بقبول القرآن وحده وعدم قبول أحاديث وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن الآية صريحة بأن إطاعة أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه المروية عنه بطرق صحيحة، هي بمثابة إطاعة الله.
ومن المنطلق نفسه تثبت حقيقة أخرى، هي ضرورة إطاعة أئمة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي ما أكد عليها حديث " الثقلين " الوارد في المصادر الإسلامية