وتبدأ الإشاعة بأن يختلق منافق كذبة، ثم ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء، ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقيق فيها، بل يهولونها ويفرعونها مما يؤدي إلى استنزاف مقدار كبير من طاقات الناس وأفكارهم وأوقاتهم، وإلى إثارة القلق والاضطراب بينهم، وكثيرا ما تؤدي الإشاعة إلى زعزعة الثقة بين أفراد المجتمع، وتؤدي إلى خلق حالة من اللامبالاة والتردد في أداء المسؤوليات.
ومع أن بعض المجتمعات التي تعاني من الكبت والإرهاب تعمد إلى الإشاعة كأسلوب من الكفاح السلبي، انتقاما من الحكومات الطاغية الجائرة، فالاشاعة بحد ذاتها تعتبر خطرا كبيرا على المجتمعات السليمة، فإذا اتجهت الإشاعة إلى الأفراد الكفوئين من المفكرين والخبراء والعاملين في المرافق الهامة للمجتمع، فإنها ستؤدي إلى حالة من البرود في نشاطات هؤلاء، وقد تصادر مكانتهم الاجتماعية، وتحرم المجتمع من خدماتهم.
من هنا كافح الإسلام بشدة " اختلاق الإشاعات " والافتراء والكذب والتهمة، مثل ما حارب نشر الإشاعات كما في هذه الآية.
وتؤكد الآية في ختامها على أن الله قد صان المسلمين بفضله ولطفه وكرمه من آثار إشاعات المنافقين والمغرضين وضعاف الإيمان، وأنقذهم من نتائجها وعواقبها الوخيمة، ولولا الإنقاذ الإلهي ما نجي من الانزلاق في خط الشيطان إلا قليلا: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا أي أن النبي وأصحاب الرأي والعلماء المدققين هم وحدهم القادرون على أن يكونوا مصونين من وساوس الشائعات ومشيعيها، أما أكثرية المجتمع فلابد لها من القيادة السليمة لتسلم من عواقب اختلاق الشائعات ونشرها (1).
* * *