وقوله تعالى (من النعم) في هذا القراءة صفة للنكرة التي هي جزاء وفيه ذكر له، ولا ينبغي إضافة جزاء إلى مثل، لان عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله. ولا يجوز على هذه القراءة أن يكون قوله (من النعم) متعلقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قوله (جزاء سيئة بمثلها) لأنك قد وصفت الموصول، وإذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئا، كما انك إذا عطفت عليه أو اكدته لم يجز أن تعلق به شيئا بعد العطف عليه والتأكيد له، والمماثلة في القيمة أو الخلقة على اختلاف الفقهاء في ذلك.
وأما من قرأ (فجزاء مثل ما قتل) فأضاف الجزاء إلى المثل فقوله (من النعم) يكون صفة للجزاء، كما كان في قول من نون [ولم يضف صفة له (1). ويجوز فيه وجه آخر مما يجوز في قول من نون] (2)، فيمتنع تعلقه به، لان من أضاف الجزاء إلى مثل فهو كقولهم (انا أكرم مثلك) اي أنا أكرمك، فالمراد فجزاء ما قتل. ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر المضاف إلى المفعول به فالواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لاجزاء مثل المقتول، لان معناه مجازا مثل ما قتل.
ونحن نعمل بظاهر القراءتين، فان المحرم إذا قتل الصيد الذي له مثل فهو مخير بين أن يخرج مثله من النعم وهو أن يقوم مثله دراهم ويشتري به طعاما ويتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما، ولا يجوز اخراج القيمة جملة. وإن كان الصيد لا مثل له كان مخيرا بين أن يقوم الصيد ويشترى به طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما.
والقراءتان إذا كانتا مجمعا على صحتهما كانتا كالآيتين يجب العمل بهما، وقد تخلصنا أن يتعسف في النحو والاعراب.