اختلفوا في الذين عابوا النبي عليه السلام والمسلمين بالانصراف عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة على ثلاثة أقوال:
قال الحسن: هم مشركو العرب، فان رسول الله لما تحول بأمر الله إلى الكعبة من بيت المقدس، قالوا: يا محمد رغبت عن قبلة آبائك ثم رجعت إليها أيضا، والله لترجعن إلى دينهم.
وقال ابن عباس: هم اليهود.
وقال السدي: هم المنافقون، قالوا ذلك استهزاءا بالاسلام.
والعموم يتناول الكل.
واختلفوا في سبب عيبهم الصرف عن القبلة، فقيل إنهم قالوا ذلك على وجه الانكار للنسخ. وقال ابن عباس: ان قوما من اليهود قالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، ارجع إليها نتبعك ونؤمن بك. وأرادوا بذلك فتنته. الثالث ان مشركي العرب قالوا ذلك ليوهموا أن الحق ما هم عليه.
وانما صرفهم الله عن القبلة الأولى لما علم من تغيير المصلحة في ذلك. وقيل انما فعل ذلك لما قال تعالى ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه﴾ (1)، لأنهم لما كانوا بمكة أمروا أن يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا عن المشركين الذين كانوا بحضرتهم يتوجهون إلى الكعبة، فلما انتقل الرسول عليه السلام إلى المدينة كانت اليهود الذين بالمدينة يتوجهون إلى بيت المقدس، فنقلوا إلى الكعبة للمصالح الدينية الكثيرة، من جملتها ليتميزوا من اليهود كما أراد في الأول أن يتميزوا من كفار مكة.
(فصل) لا خلاف أن التوجه إلى بيت المقدس قبل النسخ كان فرضا واجبا، ثم اختلفوا:
فقال الربيع: كان ذلك على وجه التخيير، خير الله نبيه عليه السلام بين أن