وظاهر الآية خبر ومعناه أمر، لأنه ايجاب الحج على الناس. وفي مورد هذا الايجاب في صورة الخبر نكتة مليحة يطلع عليها من تدبره. وفيها مداراة واستمالة لان المأمور به ينكسر بالامر، وأكثر كلام الله وكلام رسوله الوارد على لفظ الخبر اما يتضمن الامر أو النهي.
(فصل) ومما يدل على أن الوقوف بالمشعر الحرام واجب وهو ركن من أركان الحج - بعد الاجماع المذكور - قوله تعالى ﴿فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾ (1)، والامر شرعا على الايجاب، ولا يجوز أن يوجب ذكر الله فيه الا وقد أوجب الكون فيه. ولان كل من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف به.
فان قالوا: نحمل ذلك على الندب.
قلنا: هو خلاف الظاهر، ويحتاج إلى دلالة ولا دليل.
فان قيل: هذه الآية تدل على وجوب الذكر وأنتم لا توجبونه وانما توجبون الوقوف به كالوقوف بعرفة.
قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية.
وبعد، فان الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذكر جميعا، فإذا دل الدليل على أن الذكر مستحب غير واجب أخرجناه من الظاهر وبقي الاخر يتناوله الظاهر. وتقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه.
فان قيل: الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب، لأنه انما يراد له ومن أجله، فإذا ثبت أن الذكر مستحب فكذلك الكون.
قلنا: لا نسلم أن الكون في ذلك المكان تابع للذكر، لان الكون به عبادة