يدخلوا الذمة باعطاء الجزية وغيرها مما هو من شرائط الذمة على ما قدمناه.
ونذكر أيضا لها بيانا فنقول: لا يؤخذ الجزية عندنا الا من اليهود والنصارى والمجوس، واما غيرهم من الكفار - على اختلاف مذاهبهم من عباد الأصنام والأوثان والصابئة وغيرهم - فلا يقبل منهم غير الاسلام أو القتل والسبي، قال تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أي كفر.
وسميت (جزية) لأنها شئ وضع على أهل الذمة ان يجزوه أي يقضوه، أو لأنهم يجزون امام المسلمين بها الذين من عليهم بالاعفاء عن القتل. وقيل الجزية عطية عقوبة مما وظفه رسول الله على أهل الذمة، وهي على وزن جلسة وقعدة لنوع من الجزاء.
وقوله (عن يد) أي عن يد متواتية غير ممتنعة، ويعطونها عن يد أي نقد غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطى إلى يد الاخذ. هذا إذا أريد به يد المعطي، وان أريد به يد الاخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، أو عن انعام عليهم، لان قبول الجزية منهم وتركهم احياء نعمة عظيمة عليهم، يعني يؤخذ منهم على الصغار والذل، وهو ان يأتي بها ماشيا (1) ويسلمها قائما والمسلم جالس.
(فصل) فان قيل: اعطاء الجزية منهم طاعة أم معصية، فإن كان طاعة وجب ان يكونوا مطيعين، وإن كان معصية فكيف أمر الله بها.
قلنا: اعطاؤهم ليس بمعصية، واما كونها طاعة لله فليس كذلك، لأنهم انما يعطونها دفعا لقتل أنفسهم وفدية لاستعباده لهم لا طاعة لله، فان الطاعة لا تقع من الكافر بحال عندنا. وانما أمر الله تعالى بذلك لما علم فيه من المصلحة واقرار أهل الكتاب