في مقابلة ذلك من حطام الدنيا، فهو قليل. وللعرب في ذلك عادة معروفة، ومذهب مشهور، ومثله في القرآن كثير، قال: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) (ويقتلون النبيين بغير حق). وفيه دلالة على أن من ادعى أن مع الله إلها آخر لا يقوم له على قوله برهان، وأن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، وذلك بأن وصف الشئ بما لا بد أن يكون عليه الصفة، ومثله في الشعر قول النابغة:
يحفه جانبا نيق، ويتبعه * مثل الزجاجة، لم تكحل من الرمد (1) أي: ليس بها رمد فيكتحل له. وقول الآخر:
لا يغمز من أين، ومن وصب، * ولا يعض على شرسوفه الصفر (2) أي: ليس بساقه أين ولا وصب فيغمزها من أجلهما. وقول سويد بن أبي الكاهل:
من أناس ليس في أخلاقهم * عاجل الفحش، ولا سوء الجزع ولم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا، أو جزعا غير سئ، بل نفى الفحش والجزع عن أخلاقهم. وفي أمثال هذا كثيرة. (أولئك): يعني الذين كتموا ذلك، وأخذوا الأجر على الكتمان (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) ومعناه: إن أكلهم في الدنيا، وإن كان طيبا في الحال، فكأنهم لم يأكلوا إلا النار، لأن ذلك يؤديهم إلى النار، كقوله سبحانه في أكل مال اليتيم: (إنما يأكلون في بطونهم نارا) عن الحسن والربيع وأكثر المفسرين. وقيل: إنهم يأكلون النار حقيقة في جهنم، عقوبة لهم على كتمانهم، فيصير ما أكلوا في بطونهم نارا يوم القيامة، فسماه في الحال بما يصير إليه في المآل.
وإنما ذكر البطون، وإن كان الأكل لا يكون إلا في البطن لوجهين أحدهما: إن العرب تقول: جعت في غير بطني، وشبعت في غير بطني: إذا جاع من يجري جوعه مجرى جوعه، وشبعه مجرى شبعه. فذكر ذلك لإزالة اللبس والآخر: إنه لما استعمل المجاز بأن أجرى على الرشوة اسم النار، حقق بذكر البطن، ليدل على أن