وأما الماء الذي ينزل من السماء فيدل إنشاؤه وإنزاله قطرة قطرة، لا تلتقي أجزاؤه، ولا تتألف في الجو فينزل مثل السيل، فيخرب البلاد والديار، ثم إمساكه في الهواء مع أن من طبع الماء الانحدار إلى وقت نزوله بقدر الحاجة، وفي أوقاتها على أن مدبره قادر على ما يشاء من الأمور، عالم حكيم خبير.
وأما إحياء الأرض بعد موتها: فيدل بظهور الثمار وأنواع النبات، وما يحصل به من أقوات الخلق، وأرزاق الحيوانات، واختلاف طعومها وألوانها وروائحها، واختلاف مضارها ومنافعها في الأغذية والأدوية على كمال قدرته، وبدائع حكمته، سبحانه من عليم حكيم، ما أعظم شأنه.
وأما بث كل دابة فيها فيدل على أن لها صانعا مخالفا لها، منعما بأنواع النعم، خالقا للذوات المختلفة بالهيئات، المختلفة في التراكيب، المتنوعة من اللحم والعظم، والأعصاب والعروق، وغير ذلك من الأعضاء والأجزاء المتضمنة لبدائع الفطرة، وغرائب الحكمة، الدالة على عظيم قدرته، وجسيم نعمته.
وأما الرياح فيدل تصريفها بتحريكها وتفريقها في الجهات مرة حارة ومرة باردة، وتارة لينة وأخرى عاصفة، وطورا عقيما وطورا لاقحة، على أن مصرفها قادر على ما لا يقدر عليه سواه، إذ لو أجمع الخلق كلهم على أن يجعلوا الصبا دبورا، أو الشمال جنوبا، لما أمكنهم ذلك.
وأما السحاب المسخر فيدل على أن ممسكه هو القدير الذي لا شبيه له ولا نظير، لأنه لا يقدر على تسكين الأجسام بغير علاقة ولا دعامة، إلا الله سبحانه وتعالى، القادر لذاته الذي لا نهاية لمقدوراته.
فهذه هي الآيات الدالة على أن الله سبحانه صانع غير مصنوع، قادر لا يعجزه شئ، عالم لا يخفى عليه شئ، حي لا تلحقه الآفات، ولا تغيره الحادثات، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو السميع البصير. استشهد بحدوث هذه الأشياء على قدمه وأزليته، وبما وسمها به من العجز والتسخير على كمال قدرته، وبما ضمنها من البدائع على عجائب خلقته، وفيها أيضا أوضح دلالة على أنه سبحانه المنان على عباده بفوائد النعم، المنعم عليهم بما لا يقدر غيره على الانعام بمثله من جزيل القسم، فيعلم بذلك أنه سبحانه الاله الذي لا يستحق العبادة سواه. وفي هذه الآية أيضا دلالة على وجوب النظر والاستدلال، وأن ذلك هو الطريق