صباء، وبعضها دبور، أو بعضها شمالا، وبعضها جنوبا. وقيل: تصريفها بأن جعل بعضها يأتي بالرحمة، وبعضها يأتي بالعذاب، عن قتادة. وروي أن الريح هاجت على عهد ابن عباس، فجعل بعضهم يسب الريح، فقال: لا تسبوا الريح، ولكن قولوا: اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا.
(والسحاب المسخر بين السماء والأرض) أي: المذلل (لآيات) أي:
حججا ودلالات (لقوم يعقلون) قيل: إنه عام في العقلاء من استدل منهم، ومن لم يستدل. وقيل: إنه خاص بمن استدل به، لأن من لم ينتفع بتلك الدلالات، ولم يستدل بها، صار كأنه لا عقل له، فيكون مثل قوله (إنما أنت منذر من يخشاها)، وقوله: (هدى للمتقين).
وذكر سبحانه الآيات والدلالات، ولم يذكر على ماذا تدل، فحذف لدلالة الكلام عليه. وقد بين العلماء تفصيل ما تدل عليه فقالوا: أما السماوات والأرض، فيدل تغير أجزائهما واحتمالهما الزيادة والنقصان، وأنهما (1) من الحوادث لا ينفكان عن حدوثهما، ثم إن حدوثهما وخلقهما يدل على أن لهما خالقا لا يشبههما، ولا يشبهانه، لأنه لا يقدر على خلق الأجسام إلا القديم القادر لنفسه، الذي ليس بجسم ولا عرض، إذ جميع ما هو بصفة الأجسام والأعراض محدث، ولا بد له من محدث ليس بمحدث لاستحالة التسلسل، ويدل كونهما على وجه الإتقان والإحكام، والاتساق والانتطام، على كون فاعلهما عالما حكيما.
وأما اختلاف الليل والنهار، وجريهما على وتيرة واحدة، وأخذ أحدهما من صاحبه الزيادة والنقصان، وتعلق ذلك بمجاري الشمس والقمر، فيدل على عالم مدبر يدبرهما على هذا الحد، لا يسهو ولا يذهل من جهة أنها أفعال محكمة، واقعة على نظام وترتيب، لا يدخلها تفاوت ولا اختلال.
وأما الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، فيدل حصول الماء على ما تراه من الرقة واللطافة التي لولاها لما أمكن جري السفن عليه، وتسخير الرياح لإجرائها في خلاف الوجه الذي يجري الماء إليه، على منعم دبر ذلك لمنافع خلقه، ليس من جنس البشر، ولا من قبيل الأجسام، لأن الأجسام يتعذر عليها فعل ذلك.