صاغرين. وقوله (فيها) الهاء يعود إلى اللعنة في قول الزجاج، وإلى النار في قول أبي العالية (لا يخفف عنهم العذاب): جملة في موضع الحال. (ولا هم ينظرون): كذلك. و (هم): تأكيد لضمير في فعل مقدر يفسره هذا الظاهر تقديره: ولا هم ينظرون هم.
المعنى: لما بين سبحانه حال من كتم الحق، وحال من تاب منهم، عقبه بحال من يموت من غير توبة منهم، أو من الكفار جميعا، فقال: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) أي: ماتوا مصرين على الكفر، وإنما قال:
(وماتوا وهم كفار) مع أن كل كافر ملعون في حال كفره، ليصير الوعيد فيه غير مشروط، لأن بالموت يفوت التلافي بالتوبة، فلذلك شرط سبحانه وبين أن الكفار لو لم يموتوا على كفرهم، لم تكن هذه حالهم. وقيل: إن هذا الشرط إنما هو في خلود اللعنة لهم كقوله (خالدين فيها).
(أولئك عليهم لعنة الله) أي: إبعاده من رحمته وعقابه. (والملائكة والناس أجمعين). فإن قيل: كيف قال (والناس أجمعين) وفي الناس من لا يلعن الكافر؟
فالجواب من وجوه أحدها: إن كل أحد من الناس يلعن الكافر: إما في الدنيا، وإما في الآخرة، أو فيهما جميعا، كما قال: (ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا)، عن أبي العالية. ثانيها: إنه أراد به المؤمنين، كأنه لم يعتد بغيرهم، كما يقال المؤمنون هم الناس، عن قتادة والربيع. وثالثها: إنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين، فيدخل في ذلك الكافر لأنه ظالم، عن السدي. واللعنة إنما تكون من الناس على وجه الدعاء، ومن الله على وجه الحكم. وقوله (خالدين فيها) أي: دائمين فيها، أي في تلك اللعنة، عن الزجاج والجبائي. وقيل: في النار، لأنه كالمذكور لشهرته في حال المعذبين، ولأن اللعن إبعاد من الرحمة، وإيجاب للعقاب. والعقاب يكون في النار. وأما الخلود في اللعنة، فيحتمل أمرين أحدهما:
الاستحقاق للعنة بمعنى أنها تحق عليهم أبدا. والثاني: في عاقبة اللعنة، وهي النار التي لا تفنى أبدا. وقوله (لا يخفف عنهم العذاب) أي: يكون عذابهم على وتيرة واحدة، فلا يخفف أحيانا، ويشتد أحيانا. (ولا هم ينظرون) أي: لا يمهلون للاعتذار، كما قال سبحانه (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) قطعا لطمعهم في التوبة، عن أبي العالية. وقيل: معناه لا يؤخر العذاب عنهم، بل عذابهم حاضر.